الخميس، 24 نوفمبر 2011

مقامات عربية-1-

حدثني اخا ثقة والحديث ذو شجون , ولا بد لصاحبه من ضروب البيان والوان الفنون, قال وهو الواثق  من خبره , والعالم بأنباء التاريخ وعبره, انه قرأ في كتاب محكم التأليف, قصة من اخبار فرعون وصاحب القصر المنيف , وذلك ان فرعون الذي حكم في سالف الزمان , وهلك في غابر العصر والاوان , خرج يوما في نزهة في ربوع مصر ,فجال وصال حتى صار الوقت عصر, وبعد ان سار ورتع , وقال واستمع ,راى من  بعيد وعساه كان قريب , قصرا عالي البناء منيف, تحيط به الاشجار فهي عليه لفيف , تغرد فيها  الاطيار والاغصان منها في حفيف, فسال واستغرب , وزاد واستعجب , من بنى تلك الصروح , ومن شيد في الارض بناء غير مسموح, فاخبروه الخبر العجاب , الذي حير اولى الالباب, ان الوزير الكبير , اراد ان يقلد صاحب قصر السدير , فاتخذ لنفسه في الارض من البنيان بروجا , فشيدها وجعل الارتقاء اليها عروجا , فهذا ما ترى , وهذا الذي افترى ,فغضب غضبا لم يغضب  من قيله مثيلا, ولا ينبغي لمن كان في مقامه جليلا,فرغى وازبد , ثم برق وارعد, وزاد تلججا وعبس, وارسل الكلمات كانها شهاب قبس, وقال اينعم عبد ما ليس به انعم ,فالويل له ان كان قد زعم ,   فامر به بالسلاسل مسربلا, وبالقيود مغللا ومثقلا, ثم امر بقطع اليمين والشمال من اطرافه , وبتر اذنه وجدع انفه , ثم اخذ امواله , وصادر املاكه , واستحيى  نسائه , وزاد ان استعبد ابنائه, ثم امر ان يرمى في المزابل فترة , ويترك  لكل عابرعبرة ,فنزلت بالرجل النوائب , وحلت به بعد العزالنواكب , وزارته الرزايا, وشمتت به العدايا ,وصار في المزابل طريح, وهجرته الدنيا بقول صريح, ومرمن الايام  اثنين او ثلاث على الاكثر, حتى مر بالمزبلة طبيب كان للوزير صديق في الزمن الايسر, فسمع انينا كانه صوت انسان ,  فاقترب حتى هاله ما رأى في المكان ,هذا صاحبي هذا من الخلان ,ما الذي جرى وما اصابه في الزمان . فاسرع به الى داره , لعله ينقذ ما به او يخفف من اثاره, ومرت الايام وهو يداوي منه الجروج , ويعالج له القروح , حتى تماثل بعد مدة للعلاج, وصار من حال الى ,فقص لصاحبه الطبيب ما فعله وريث الفراعين , وكان يشتمه ويدعو عليه وكان من الاعنين, وزاد على الفرعون حقدا , بعدما مر من الزمان عقدا, فقد فعل به امرا ادا, وحصل ان عاد الطبيب يوما الى الدار , وكان يحمل لصاحبه احسن الاخبار , وما ان دخل الى بيته حتى فزع مما رأى ثم تعجب  , هذا صاحبه يبكي ثم شهق وانتحب, فاسرع بالسؤال عما جعله في امره محتار , وصير الصاحب في البكاء والنحيب مختار,فاسرع في السؤال عما جرى من الاحوال, فاخبره الصديق  ان الفرعون قد مات, وانه قد علم من صوت كان ينادي بين الحارات ,فانشرحت من الطبيب اسايره, وانبسطت منه معاسرة, وقال لصاحبه من الكلام اياسره,فاخبره بانه علم بالخبر وانه قد جاءه باحسن الانباء ,وان عليه ان يفرح بموت الاعداء , وما ان اتم الطبيب مقاله , واسهب في شرح ما نزل بالفرعون وما كان مآله, حتى نهره الصاحب ومقت منه الفرح بالاتراح, وحضه على كتم السرور والانشراح, فالذي قد مات ذاك من فتح البلاد , وسير الشؤون وحكم العباد, وانعم عليهم سبل الرشاد, فانتفض الطبيب كانه فرخ مذبوح , او كالذي يرى عفريتا مقبوح , وصرخ صرخة كاد ان يسقط بعدها قتيلا,وقال للصاحب بصوت كانه الصراخ والعويلا , ذاك الذي انزل بك اشد المصائب , وجعل منك عبرة لكل راغب وراهب , فاطرق الصاحب واستغرق مليا , وطلب من الطبيب ان يكون به حفيا, واخبره انه هو من كان للفرعون عصيا , وانه كان من الواجب ان يكون  للفرعون وليا , وان يقدم له كل ما ملك هديا , وانه لم يكن في خدمة الفرعون سويا ,وانه ابعد الغوالي  عنه قصيا , وانه استحق ما نزل به و جعله شقيا, وان من نعم الفرعون بان تركه حيا , وان لم يترك له من الدنيا شيا, فبعد ما قال هدأ الطبيب ثم جلس , والنفس اطلق من بعد ما كان حبس , وقال هل كان الفرعون خنس , ام كان يرى الشعب رجس, ام ان الناس يحبون الخناس , ويعظمونه كانه رب الناس , ام انهم يحبون من معه  الدرهم والدينار , وان قتلهم واحرقهم بالنار  , وبعد طول التفكير والتركيز , ادرك انه ما في الارض من عزيز,الا من كان للمال كنيز,وان ديدن الحكام واصحاب المناصب ,ان يطؤا الناس لبلوغ المراتب,

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق